آخر الأخبار

السبت، 10 يونيو 2017

وجعل بينهما برزخاً

تحدث القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً عن ظاهرة فيزيائية عجيبة، لا يمكن للبشر مشاهدتها بأم أعينهم، بل إن اكتشافها من قبل العلماء في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي كان أقرب ما يكون للمعجزة؛ لكونها تحدث داخل البحار، وكذلك فإنه لا يمكن رؤيتها حتى ولو تم الوصول لمكان حدوثها. 

هذه الظاهرة هي وجود حاجز، أو فاصل بين المياه المالحة والمياه العذبة عند التقائهما في مكان ما، هذا الحاجز يحول دون حركة كل من المائين باتجاه بعضهما البعض، فلا يمتزجان مع أن مستوى الماء العذب أعلى من مستوى الماء الملح. 

تحدث القرآن الكريم عن وجود هذه الظاهرة العجيبة في ثلاث آيات قرآنية:

في قوله تعالى: {وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا} (الفرقان:53).

وقوله عز وجل: {أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون} (النمل:61). 

وقوله سبحانه: {مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان} (الرحمن:19-20). 

لعلماء التفسير قولين في حديثهم عن (الحاجز) أو (البرزخ) الموجود بين البحرين: 

القول الأول: يرى أن الحاجز هو كيان مادي مشاهَد، وهو اليابسة التي تفصل ما بين البحار والأنهار؛ فتحول دون اختلاط المياه ببعضها البعض. وإلى هذا ذهب الحسن البصري من التابعين.

القول الثاني: يذهب إلى أن (البرزخ) هو حاجز معنوي -غير مادي- يمنع اختلاط مياه البحار المالحة مع مياه الأنهار العذبة عند منطقة التقائهما. وهذا رأي مجاهد واختيار الطبري. 

ومن الواضح أن القول الأول يجافي الحقيقة، ويتعارض بشكل واضح مع مدلول هذه الآيات، وخاصة آيات سورة الرحمن، التي تؤكد أن البرزخ ينشأ عند التقاء ماء البحرين، لهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير البرزخ والحجر المحجور على أنها اليابسة التي تفصل ما بين البحار والأنهار.

قال الطبري: "وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في معنى قوله: {وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا} دون القول الذي قاله من قال معناه: إنه جعل بينهما حاجزاً من الأرض، أو من اليبس؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر في أول الآية أنه مرج البحرين، و(المرج) هو الخلط في كلام العرب، فلو كان (البرزخ) الذي بين العذب الفرات من البحرين، والملح الأجاج أرضاً، أو يبساً، لم يكن هناك مرج للبحرين، وقد أخبر جل ثناؤه أنه مرجهما، وإنما عرفنا قدرته بحجزه هذا الملح الأجاج عن إفساد هذا العذب الفرات، مع اختلاط كل واحد منهما بصاحبه. فأما إذا كان كل واحد منهما في حيز عن حيز صاحبه، فليس هناك مرج، ولا هناك من الأعجوبة ما يُنَبَّه عليه أهل الجهل به من الناس، ويُذَكَّرون به، وإن كان كل ما ابتدعه ربنا عجيباً، وفيه أعظم العبر والمواعظ والحجج البوالغ".

فحمل الآية على أن المراد بـ (الحاجز) حاجز معنوي، ينفي عن الآية وجه الإعجاز فيها؛ إذ الآية مساقة مساق بيان إعجازه سبحانه في خلقه، وبالغ قدرته في إيجاده. وكذلك فإنه لا يوجد وجه إعجاز واضح يفحم الكافرين بوجود الله عز وجل في كون اليابسة هي الفاصل الذي يفصل بين البحار والأنهار. 

أما منتهى الإعجاز في الخلق، فهو أن تلتقي البحار المالحة مع البحار العذبة دون أن تختلط مياههما من خلال وجود هذا البرزخ العجيب. 

فكلمة {مرج} التي وردت في هذه الآيات، تعني عملية الخلط أو الجمع بين مياه البحرين في مكان واحد. وسنبين في هذه المقالة أن وجود (البرزخ) بين المياه العذبة والمياه المالحة معجزة كبرى من معجزات الله في هذا الكون؛ ولولاه لأصبحت حياة البشر وبقية الكائنات الحية في خطر؛ بسبب شح المياه العذبة على سطح الأرض.

نسبة المياه العذبة 3% من مجمل المياه

تشير الدراسات العلمية، والأبحاث الكونية إلى أنه يتجمع ما نسبته (97%) من الماء الموجود على سطح الأرض في محيطات وبحار الأرض على شكل ماء مالح، والتي تغطي ما يقرب من سبعين بالمائة من سطح الأرض. بينما تبلغ نسبة المياه العذبة في الأرض ثلاثة بالمائة فقط، وتقدر بما يقرب من مائة مليون كيلومتر مكعب، وهي موزعة على اليابسة على شكل جليد في مناطق القطبين، وعلى شكل ثلوج في المرتفعات الشاهقة، وكمياه جوفية في طبقات القشرة الأرضية، وكمياه سائلة في البحيرات والأنهار والجداول والتربة، وكبخار ماء في الغلاف الجوي. 

فالمياه المتجمدة في القطبين تشكل (70%) من مياه اليابسة، أي ما يقرب من سبعين مليون كيلومتر مكعب.

أما المياه الجوفية فتشكل (20%) من مياه اليابسة، أي ما يقرب من عشرين مليون كيلومتر مكعب. وأما مياه البحيرات العذبة فتشكل (0.3%) من مياه اليابسة أي ما يقرب من ثلاثمائة ألف كيلومتر مكعب، ومثلها تقريباً في البحيرات المالحة.

وأما المياه الموجودة في التربة فتشكل واحداً ونصفاً من عشرة بالمائة من مياه اليابسة، أي ما يقرب من مائة وخمسون ألف كيلومتر مكعب. 

وأما المياه الموجودة في الغلاف الجوي على شكل بخار، فتشكل (3%) ثلاثة بالمائة من مياه اليابسة، أي ما يقرب من ثلاثين ألف كيلومتر مكعب.

أما مياه الأنهار والجداول فتشكل ثلاثة بالألف بالمائة من مياه اليابسة، أي ما يقرب من ثلاثة آلاف كيلومتر مكعب.

وتفيد الدراسات العلمية أن ما يزيد عن (50%) خمسين بالمائة من سكان العالم يعتمدون على المياه الجوفية لشربهم، وري مزروعاتهم، وسقاية مواشيهم. وتشير كذلك إلى أن سبعين بالمائة من سكان العالم يعيشون على شواطئ المحيطات والبحار، ويعتمدون في الغالب على المياه الجوفية التي تكوَّن على شكل أنهار خفية، تجري تحت سطح الأرض، وتصب في هذه المحيطات والبحار. إن هذه المياه الجوفية العذبة تختلط بشكل مباشر بمياه المحيطات والبحار المالحة إلى أعماق كبيرة تحت سطح مستوى البحر. وكان من المفترض أن تتلوث المياه الجوفية العذبة بمياه البحار الشديدة الملوحة بسبب هذا الاختلاط؛ إلا أن البشر لم يحدث أن اشتكوا من مثل هذا التلوث، ولم يعرفوا السبب الذي يحول دون هذا التلوث.

وأول من لاحظ وجود (حاجز) مائي بين المياه الجوفية العذبة ومياه البحار المالحة العالم الهولندي غيبن (Baden-Ghyben) في عام (1888م)، والعالم الألماني هيرزبيرغ (Herzberg) في عام (1901م). ولقد تمكن العالمان -وبشكل مستقل- من اشتقاق علاقة تحدد عمق الحاجز عن سطح البحر؛ ولهذا سميت العلاقة باسميهما، وهي علاقة (غيبن-هيرزبيرغ) (Ghyben-Herzberg relation). وتعتمد العلاقة في اشتقاقها على حقيقة أن كثافة الماء المالح تزيد عن كثافة الماء العذب بنسبة (40-41) حيث تبلغ كثافة الماء المالح (1.025) غرام لكل سنتيمتر مكعب، بينما تبلغ كثافة الماء العذب غرام واحد لكل سنتيمتر مكعب، وبناء على هذه الحقيقة، وجد العالمان أن عمق (الحاجز) الموجود بين المائين تحت سطح البحر يبلغ أربعين ضعف ارتفاع مستوى الماء العذب فوق سطح البحر. وهذا يعني أن مثل هذا الحاجز لن ينشأ إذا تساوى مستوى الماء العذب مع مستوى الماء المالح. وهذا (الحاجز) المائي يكون على شكل جدار من الماء يحيط تماماً بكامل المياه الجوفية من جهة الماء الملح، ويبدأ أعلاه من سطح البحر الملح، ويمتد إلى الأسفل، ولكن ليس بشكل رأسي، بل يميل بشكل منحني باتجاه المياه العذبة إلى أن يصل إلى قاع المياه العذبة.

لقد تبين لهذين العالمين أن وجود مثل (الحاجز) بين الماء الملح والماء العذب يمنع منعاً باتاً انتشار جزيئات الملح من الماء الملح إلى الماء العذب، وهو ما يخالف القانون الطبيعي، الذي ينص على أن جزيئات المادة في السوائل والغازات تنتشر من الوسط الأكثر تركيزاً إلى الوسط الأقل تركيزاً بهذه الجزيئات. إن (الحاجز) الذي ينشأ بين الماء الملح والماء العذب، ليس حدًّا فاصلاً (sharp boundary) لا عرض له، بل هو منطقة لها سمك محدد، يهبط فيها تركيز الملح بشكل تدريجي من مستواه في جهة الماء الملح إلى مستواه في جهة الماء العذب، أُطلق عليها اسم الماء الآسن أو الكريه (brackish water or fresh/salt mixture). وقد أطلق العلماء اسم برزخ الماء الملح-الماء العذب (saltwater-freshwater interface or transition) على هذا الحاجز المائي الذي يفصل ما بين المائين.

وقد جاءت الكلمات القرآنية التي تصف هذا (الحاجز) المائي في غاية الدقة، فقد وصفته بأنه {برزخ} (interface) و(البرزخ) كما هو معروف هو مرحلة، أو حالة انتقالية (transition state) تقع بين مرحلتين، أو حالتين مختلفتين. وأما كلمتي {حجرا محجورا} فتصف هذا (الحاجز) بأنه كـ (الِحجر) بكسر الحاء، الذي يحجر، أو يمنع دخول الأشياء إليه، وهذا ما يقوم به هذا (الحاجز) أو (البرزخ) المائي؛ حيث يمنع دخول الماء الملح إليه من جهة البحر الملح، وكذلك الحال مع الماء العذب.

إن حركة الماء في داخل البرزخ محدودة جداً، بعكس حركة الماء الملح والماء العذب المحيطة به؛ ولذا فإنه يُعتبر ماء راكداً، وتتعرض المواد العضوية في داخله للتعفن، وتنبعث منه رائحة كريهة؛ ولذا سمي بالماء الآسن أو الكريه (brackish water).

أما قوله تعالى {بينهما برزخ لا يبغيان} فالآية تعبر عن الوظيفة الرئيسية لهذا (البرزخ) المائي، وهي منع تدفق واختلاط الماء المالح من البحر الملح مع الماء العذب في البحر العذب، وكذلك العكس. وقد أكدت إحدى الآيات التي تتحدث عن (البرزخ) المائي، أن هذه الظاهرة تحدث بشكل رئيس عند التقاء البحار المالحة، والبحار العذبة.

إن ظاهرة حدوث (البرازخ) المائية تنشأ عند التقاء الكتل المائية المالحة مع العذبة، كما هو الحال مع التقاء المياه الجوفية العذبة مع مياه المحيطات والبحار المالحة، وكذلك التقاء مياه الأنهار العذبة مع مياه البحار عند مصابها، وكذلك التقاء المياه العذبة الناتجة من ذوبان الجليد القطبي في مياه البحار المالحة المحيطة بها. وتتجلى ظاهرة (البرازخ) المائية أكثر ما تتجلى في الجزر الصغيرة الموجودة في المحيطات، فمياه المحيطات المحيطة بهذه الجزر، وبسبب ضغطها الهائل قادرة على تلويث المياه الجوفية الموجودة فيها بشكل كامل، لولا عناية الله عز وجل بمخلوقاته من خلال إبداعه لهذه (البرازخ) المائية. وتظهر مياه الجزر الجوفية على شكل عدسات كروية، تحيط بها مياه البحار المالحة من كل ناحية؛ ولذا سميت بعدسات (غيبن-هيرزبيرغ) (Ghyben-Herzberg lens).

إن (البرازخ) المائية لا يقتصر دورها على منع اختلاط المياه المالحة مع المياه الجوفية العذبة، بل تقوم برفع مستوى هذه المياه من خلال دخول المياه المالحة تحت المياه العذبة، التي تطفو فوقها بسبب انخفاض كثافتها نسبياً.

ويتخوف العلماء من أن يؤدي الضخ الجائر للمياه الجوفية الموجودة عند شواطئ المحيطات والبحار إلى اختفاء (البرازخ) المائية فيها؛ وذلك عندما يصبح مستوى المياه الجوفية مساوياً لمستوى سطح البحار. وفي حالة اختفاء (البرزخ) المائي، فإن مياه البحار المالحة ستتغلغل في المياه الجوفية العذبة، وتحولها إلى مياه مالحة غير صالحة للشرب، فيما يسمى بتغلغل، أو تداخل المياه المالحة (Saltwater intrusion).

إن هذا الاكتشاف المذهل للبرازخ المائية لا يترك لأي إنسان عاقل ومنصف مجالاً للشك في صدق هذا القرآن الكريم، الذي أشار إلى وجود هذه (البرازخ) وبيّن مواصفاتها ودورها في منع مياه البحار المالحة من تلويث المياه العذبة، رغم اختلاطهما الظاهري. إن معظم البشر اليوم -وهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين- يجهلون وجود هذه الحواجز المائية بين المياه المالحة والعذبة، رغم أن حياة أكثرهم تقوم على هذه الظاهرة العجيبة.

وفي المقابل، هل يمكن لبشر عاش قبل أربعة عشر قرناً أن يتكلم عن وجود مثل هذه الحواجز، التي لا يمكن أن تُرى، ويحدد الدور البالغ الأهمية الذي تؤديه في حياة البشر وغيرهم من الكائنات الحية. وصدق الله العظيم القائل: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} (فصلت:53). والقائل سبحانه: {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون} (النمل:93).

* مادة المقال مستفادة من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتصرف يسير
موقع مقالات إسلام ويب
اقرأ المزيد ...

موسوعة الكحيل للإعجاز العلمي 23


هذا هو الجزء الثالث والعشرين من موسوعة الإعجاز العلمي
موسوعة الكحيل للإعجاز العلمي 23

ــــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com/ar
اقرأ المزيد ...

أشجار على سطح المريخ


هذه صورة لمشهد يشبه الكثبان الرملية على الأرض ... إنه من سطح كوكب المريخ....


يقول علماء وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنهم التقطوا صوراً لأشجار على سطح المريخ! وتُظهر الصور صفوفاً من الأشجار الصنوبرية الغامقة بين الكثبان والتلال الموجودة على سطح الكوكب. وتبين الصور كثبانا رملية مغطاة بطبقة رقيقة من ثاني أكسيد الكربون المجمد، وهذه الأشجار هي في الواقع آثار حطام سببته انهيارات أرضية كما يحدث عند ذوبان الجليد على سطح المريخ في الربيع. إن التشابه بين صورة الكثبان الرملية على الأرض وصورة الكثبان على المريخ هو أحد الشواهد على أن الخالق واحد عز وجل! وهو القائل: (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

إن مثل هذه الصورة تُظهر مدى ضعف المعلومات التي توصل إليها الإنسان حتى الآن، فمع أن كوكب المريخ هو الأقرب إلى الأرض إلا أن العلماء لا زالوا عاجزين عن فهم حقيقة هذا الكوكب وماذا يوجد على سطحه. ولكن هل تكون مثل هذه الصور دليلاً على قدرة الخالق عز وجل ووسيلة للإيمان به؟ يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[يونس: 1011].!!.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
المراجع
ناسا
 
اقرأ المزيد ...

سرّ نشوء الحياة على الأرض


دعونا نتأمل علمياً.. هل يمكن للحياة أن تنشأ بالمصادفة كما تقول نظرية التطور؟ وما هو احتمال تشكل خلية واحدة فقط من دون خالق!....

بدأ العلماء يلاحظون أن كل الأشياء من حولنا بما فيها نحن البشر، لا يمكن أن تكون على ما هي عليه إلا بوجود معلومات مخزنة فيها..
لنتأمل هذه الجزيئات من الماء (ذرات الثلج العجيب) كيف أخذت هذه الأشكال الرائعة؟ ولماذا جميعها منظمة بأشكال سداسية؟ ولماذا جميعها متناسقة ومنظمة تنظيماً دقيقاً؟ لابد أن هناك معلومات هي التي تتحكم بتشكل هذه الجزيئات!!
شريط الحياة
الحمض الريبوزي منقوص الأكسجين Deoxyribo Nucleic Acid اختصاراً DNA يتكون من سلسلة طويلة من النيوكلوتيدات (النيوكلوتيد عبارة عن جزيء سكر خماسي الفوسفات وقاعدة نيتروجينية) وترتبط هذه النيوكلوتيدات بروابط تدعى A G C T القواعد الأربعة للحمض النووي Adenine   Cytosine  Guanine  Thymine  إن ترتيب هذه العناصر الأربعة يشكل اللغة المشفرة التي كتبت بها لغة الخلية لتشغيل الكائنات الحية. كل مجموعة من هذه التراكيب تشكل ما يسمى بالجين Gene والجين يحوي معلومات خاصة بصفة محددة من الصفات الوراثية. فهو يحمل جميع المعلومات الخاصة ببقاء الكائن  وتكاثره ونقل صفاته الوراثية للأجيال القادمة من بعده.
يحوي الشريط الوراثي بحدود 3 مليارات قاعدة (ارتباط) وتشكل أكثر من 25000 جين.
إذا قمنا بمدّ الحمض النووي في جسم الإنسان سيبلغ طوله 50 مليار كيلومتر.
لا يوجد عبث في خلق الله!
فقط 2 % من هذا الشريط مخصص لصنع البروتين وتكاثر الخلية.. وكان يعتقد التطوريون أن 98 % من الشريط الوراثي هي أجزاء تطورية زائدة لا عمل لها (نفايات عبثية بسبب التطور العشوائي).. ولكن تبين حديثاً أن لها دور مهم جداً في نظام عمل الخلية.. ولا يزال العلماء يدرسون هذه الشريط لاكتشاف عجائبه.
الحمض النووي هو ذاته في جسم الإنسان وفي الحيوانات والحشرات وكذلكل النبات. كل الكائنات الحية لها نفس التصميم الداخلي لشريط ال DNA وهذا ليس له إلا تفسير واحد وهو أن المصمم واحد  سبحانه وتعالى.
الاختلاف يكمن في المعلومات المخزنة في خلايا كل كائن حي.
العجيب أن الشريط الوراثي يقوم بصنع البروتين ويعتمد على ما يسمى الحمض النووي المراسل MRNA وهذا الأخير لا يمكن وجوده من دون وجود بروتين ليقرأ الشيفرة الجينية... إذاً لابد أن كليهما نشأ  في نفس الوقت بالضبط.. وليس هناك أي تطور أو تسلسل فالخلية ظهرت فجأة للوجود.
الشريط الوراثي يوجد بشكل ملتف على نفسه وبشكل حلزوني.. ويوجد في الخلية عدد من هذه الأشرطة كل واحد منها ملتف على نفسه وتشكل ما يسمى بالصبغيات.
الجينوم البشري يوجد في نواة الخلية ويحوي جميع الخصائص الوراثية للكائن.. ويوجد 23 زوجاً من الصبغيات  في الجينوم البشري.
جسم الإنسان يحوي 100 تريليون خلية
وكل مجموعة خلايا لها صفات تختلف عن الأخرى.. فخلايا العين تختلف عن خلايا الأذن كذلك تختلف عن خلايا القلب... الخلية العصبية لها خصائص فريدة.. الخلية المناعية لها خصائص أخرى.. خلايا الدم لها خصائص تتعلق بنقل الغذاء والأكسجين والتخلص من الفضلات.. خلايا الكبد لها حصائص تتعلق بالتخلص من السموم... خلايا العظام، خلايا الرئتين، خلايا العضلات، خلايا المعدة، خلايا البنكرياس، خلايا الجلد، الخلايا المنوية... كل خلية من هذه الخلايا لها وظائف محددة. ولدينا أكثر من 250 نوعاً من الخلايا في جسم الإنسان.
ولكن الأعجب من ذلك أن كل هذه الخلايا تعمل في نفس الوقت وبتناغم وتوافق كامل فيما بينها لتشكيل الجسم. ولكن ما هو حجم المعلومات اللازمة لعمل 100 تريليون خلية! مع العلم أنها كلها نشأت من خلية واحدة ملقحة (النطفة الأمشاج).
الأعجب أن كل خلية لها برمجيتها الخاصة. فالنطفة الأمشاج هي عبارة عن خلية لها برمجيتها الخاصة، فكيف تنقسم وتشكل 250 نوعاً من الخلايا وكل نوع له برمجية مختلفة تماماً عن الأخرى..
مع كل هذا التعقيد المذهل هل يمكن لخلية أن تنشأ من عناصر الأرض بالصدفة؟
احتمال نشوء بروتين واحد بالمصادفة
حسب قانون الاحتمالات فإن احتمال نشوء بروتين واحد بالمصادفة هو 1/1 164 أي أن احتمال أن يتشكل بروتين من عناصر الأرض وبفعل المصادفة هو واحد على واحد وبجانبه 164 صفراً .. أي واحد من مئة مليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون تريليون.
إن عدد الثواني التي مرت على الكون منذ تشكله محتى اليوم هو:
13.8 × 1000000000 × 365 × 24 × 3600 = 435 تريليون ثانية... فتصور كم عمر الكون ضئيل أمام احتمال أن يتشكل بروتين واحد بالصدفة.
احتمال أن تنشأ خلية واحدة بالمصادفة
أما احتمال أن تنشأ خلية واحدة بالمصادفة فهو 1 / 1 340000000 أي واحد على واحد وبجانبه 340 مليون صفر...
مع العلم أن هذه الحسابات فقط لاحتمال نشوء خلية واحدة.. فكيف بنا إذا أردنا حساب احتمال نشوء برامج التشغيل الخاصة بالكائنات الحية وتنوعها وتصميمها... سوف نجد أنفسنا أمام حقيقة علمية تقول: من المستحيل نشوء الحياة بالصدفة.. إذاً العلم يقول لابد من موجد لهذه الحياة على الأرض.
ولذلك إذا كان احتمال نشوء الحياة وتنوعها وروعتها بالمصادفة أمراً مستحيلاً من الناحية العلمية، فهل من الأمانة العلمية أن تبقى نظرية التطور هي التفسير الوحيد لسر نشأة الحياة على الأرض؟ وهل لإنسان عاقل أن يصدق بأن نظرية التطور أصبحت حقيقة علمية بعدما رأينا من دلائل رقمية يقينية تؤكد أنه لابد من وجود خالق للمخلوقات؟
وأخيراً..
 لماذا يتخبط العلماء في معرفة سر نشوء الحياة.. ولماذا يضيعون الوقت والجهد من دون فائدة.. ولماذا يكابرون وجميع الدلائل تؤكد وجود خالق للكون.. بل لماذا لا نعتمد التفسير القرآني لسر نشأة الحياة على الأرض... والله تعالى يقول: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت: 199]... فالحمد لله على نعمة الإيمان.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل

المراجع
فيلم برمجة الحياة  Programming of Life
اقرأ المزيد ...

رسائل رقمية من سورة الروم

تم اكتشاف المعجزة في سورة الروم  وهي سورة تبدأ بالحروف المقطعة (الم) .. هذه السورة هي كلام الله أنزله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.....

انظروا معي إلى هذا التناسق الرائع في عدد مرات تكرار كل حرف من الحروف داخل هذه السورة. حروف اسم (الله) أي الألف واللام والهاء وحروف اسم (محمد) أي الميم والحاء والدال.. وحروف (الم) الألف واللام والميم.. كلها تكررت بشكل مذهل يحير العقول .. ومحور هذه المعجزة هو العدد 19 عدد حروف (بسم الله الرحمن الرحيم)..
دعونا نضع جدولاً بعدد تكرار كل حرف من حروف سورة الروم:
جدول يمثل تكرار كل حرف من حروف سورة الروم كما رُسمت في القرآن الكريم (حسب الرسم الأول)، لاحظوا أن حرف الألف تكرر 493 مرة وحرف الباء تكرر 110 مرات... وهكذا.
الله تعالى هو من أنزل هذه السورة.. ولذلك فقد وضع نظاماً عددياً خاصاً بحروف اسمه الكريم. هذا النظام يعتمد على الرقم 19 وهو عدد محوري في الإعجاز العددي ويمثل حروف أول آية في القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) ولهذا العدد أهمية كبرى من خلال علاقته بعدد سور القرآن، فالعدد 114 هو عدد سور القرآن وهو مضاعفات العدد 19:
114 = 19 × 6
رسالة من حروف اسم (الله)
تكررت حروف اسم (الله) تعالى في سورة الروم كما يلي، لنكتب الحرف وتحته تكراره في السورة:
ا           ل           ل       ه
493    390     390    171
دعونا الآن نجمع هذه الحروف جمعاً عادياً لنجد:
493 + 390 + 390 + 171 = 1444
ولكن ماذا يعني العدد 1444 الذي يمثل عدد حروف اسم (الله) في سورة الروم؟ دعونا نحلل هذا العدد رياضياً لنجد أنه يساوي:
1444 = 19 × 19 × 4 سبحان الله!
إنها نتيجة مذهلة بالفعل... وتدل على أن الله عز وجل قد اختار لهذه السورة عدداً محدداً من الحروف بحيث تعطينا هذه النتيجة، وكأن الله تعالى يريد أن يعطينا رسالة خفية من خلال هذه الحروف إلى كل مشكك أن قائل هذه السورة هو الله تعالى ولذلك كرر حروف اسمه بشكل معجز في هذه السورة المباركة بحيث يشكل مضاعفاً للرقم 199 مرتين.
رسالة من حروف اسم (محمد)
والآن دعونا نطرح السؤال: على من نزلت هذه السورة؟ طبعاً على سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.. وهنا دعونا نبحث عن تكرار حروف اسم (محمد) ونكتب تكرار كل حرف بنفس الطريقة:
م           ح         م        د
314     43     314     51
وبنفس الطريقة السابقة دعونا نجمع هذه الحروف جمعاً عادياً لنجد النتيجة التالية:
314 + 43 + 314 + 51 = 722
ولكن ما هو العدد 722 وماذا يعني وما علاقته بالعدد المعجز 19 ؟ دعونا نحلل هذا العدد رياضياً لنجد النتيجة المبهرة ذاتها التي وجدناها في اسم (الله).. أي يتكرر الرقم 19 مرتين:
722 = 19 × 19 × 2 سبحان الله!
سبحان الله!!! النتيجة ذاتها تتكرر مع اسم (محمد) صلى الله عليه وسلم، فمجموع حروف (محمد) في هذه السورة من مضاعفات الرقم 19 مرتين.. والناتج اثنان... الحقيقة إن العقل يتوقف عن التفكير في هذه اللحظة، لأن المصادفة انتفت بشكل نهائي هنا... وهذه الرسالة من الله عز وجل أنه كما قرن اسمه باسم محمد كذلك جعل تكرار اسمه من مضاعفات العدد 19 مرتين وتكرار اسم (محمد) من مضاعفات العدد 19 مرتين... بنفس النظام العددي... ليؤكد لنا أن هذا القرآن رسالة الله إلى الناس عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم...
رسالة من أول آية من السورة
أول آية من هذه السورة هي (الم) فعدد حروف الألف واللام والميم في هذه السورة هو كما يلي:

ا           ل           م
493     390      314
تأملوا معي هذا التدرج من الأكبر إلى الأصغر، فأكثر حرف تكرر في سورة الروم هو الألف (493 مرة) يليه حرف اللام (390 مرة) يليه حرف الميم (314 مرة).. سبحان الله، هل جاء هذا التدرج لتكرار الحروف ا ل م  بالمصادفة، وورد ذكر هذه الحروف بالذات في مقدمة السورة بالمصادفة أيضاً؟؟!
ولكن هناك شيء آخر وهو أن مجموع هذه الحروف الثلاثة (الم) هو:
 493+390+314 = 1197 ما هذا العدد وما علاقته بالعدد 19 ؟
إن مجموع حروف الم هو 1197 من مضاعفات الرعدد 19 أي:
1197= 19 × 63
ظهر معنا هنا عدد جديد 63 وهو عمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم!! فهل جاء هذا العدد في حروف  أول آية (الم) بالمصادفة؟؟
أقصر آية وأطول آية في سورة الروم
أقصر آية في سورة الروم هي (الم) تتألف من 3 حروف، وأطول آية في سورة الروم هي الآية رقم (9) وعدد حروفها 149 حرفاً... المجموع هو عدد مميز أيضاً:
3 + 149 = 152 هذا العدد من مضاعفات العدد 19:
152 = 19 × 8
سبحان الله!
رسالة من آخر آية من السورة
آخر آية في السورة هي (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)) الآية رقم 60 وهذه الآية تركز على الصبر ... والعجيب أن حروف كلمة (صبر) تكررت بشكل مذهل، كما يلي:
ص       ب       ر
16     110    140
لاحظوا معي التدرج من الأقل إلى الأكثر لأن الصبر يحتاج لمزيد من الجهد والتحمل مع مرور الزمن، العجيب أن مجموع هذه الحروف هو: 16 + 110 + 140 = 266 = 19 × 14
العجيب أن سورة الروم تحوي أربع آيات عدد حروف كل آية من مضاعفات العدد 19 وهي الآيات التالية:
الآية رقم 44 عدد حروفها 38 حرفاً
الآية رقم 16 عدد حروفها 57 حرفاً
الآية رقم 58 عدد حروفها 76 حرفاً
الآية رقم 8 عدد حروفها 95 حرفاً
مجموع حروف هذه الآيات هو:
38 + 57 + 76 + 95 = 266 = 19 × 14


والسؤال: كيف يمكن لحروف اسم (الله) وحروف اسم (محمد) أن تتكرر في سورة الروم بحيث تشكل عدداً من مضاعفات العدد 19 مرتين... وكيف يمكن أن تكون حروف (الم) من مضاعفات الرقم 19 والرقم 63 عمر النبي الأعظم؟؟؟ وكيف يمكن أن نجد تناسباً لأطول آية وأقصر آية مع الرقم 19.. وكذلك أول آية وآخر آية أيضاً؟؟
إن هذه الرسائل الرقمية في السورة تشهد على صدق منزلها عز وجل..
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل

ملاحظات هامة
هناك نظام آخر لصف الحروف... مصفوف الحروف: أكثر حرف تكرر في سورة الروم هو الألف 493 مرة وأقل حرف تكرر هو الغين 8 مرات:
8493 = 19 × 447
وهكذا الكثير من المعادلات الرقمية التي تشهد على أن هذا القرآن كلام الله تعالى.
اقرأ المزيد ...

وجعلنا نومكم سباتا


ذكر الله سبحانه في القرآن الكريم ظاهرة النوم في معرض الامتنان على عباده، والبيان لهم بأن هذه الظاهرة آية من آياته؛ يقول سبحانه: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} (الروم:23)، وقال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الزمر:42)، وقال عز وجل: {وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا} (الفرقان:47)، وقال تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} (القصص:72-73)، وقال سبحانه: {وجعلنا نومكم سباتا} (النبأ:9). 

يقول الشيخ ابن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى: {وجعلنا نومكم سباتا} (النبأ:9): "وفي هذا امتنان على الناس بخلق نظام النوم فيهم؛ لتحصل لهم راحة من أتعاب العمل الذي يكدحون له في نهارهم، فالله تعالى جعل النوم حاصلاً للإنسان بدون اختياره. فالنوم يلجئ الإنسان إلى قطع العمل؛ لتحصل راحة لمجموعه العصبي، الذي ركنه في الدماغ، فبتلك الراحة يستجد العصب قواه، التي أوهنها عمل الحواس وحركات الأعضاء وأعمالها، بحيث لو تعلقت رغبة أحد بالسهر لا بد له من أن يغلبه النوم، وذلك لطف بالإنسان، بحيث يحصل له ما به منفعة مدركة قسراً عليه؛ لئلا يتهاون به؛ ولذلك قيل: إن أقل الناس نوماً أقصرهم عمراً، وكذلك الحيوان". 

ويقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة: "النوم حاجة متكررة معروفة من حاجات الأحياء، وهو في حقيقته وفاة صغرى للنفوس، ففيه يتوقف الحس الظاهر عن العمل، فيكون النائم كالميت الذي لا يستجيب لشيء مما حوله...ومن عجيب ظاهرة النوم أنه عَرَض يتم في الإنسان من غير طريق سلطان إرادته، فهو لا يملك السيطرة على النوم، وقد يتمناه محتاجاً إليه فلا يستطيعه، وقد يشتهي السهر فيغلبه سلطان النوم، وقد اتضح للباحثين من علماء الطبيعة أن النوم أهم للحياة من الطعام والشراب...وقد توصل علماء الروس من خلال تجاربهم التي أجريت على صغار الكلاب، أنها الكلاب لم تستطع الحياة لأكثر من خمسة أيام بغير نوم، بينما عاشت مثيلاتها التي تنام عشرين يوماً بغير أكل"، وصدق الله إذ يقول: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} (الروم:23). 

ومن آيات الله التي اكتشفها العلماء الطبيعيون في ظاهرة النوم أن ملايين الخلايا في المخ تنفصل عن مقابلاتها حالة النوم، وتتصل فتتماس ببعضها البعض حالة اليقظة، فالحادثة شبيهة بمفصل مجمع كهربائي ذي أسلاك اتصال تعد بالملايين، وكل منها يؤدي وظيفة خاصة يتصل بناحية من أنحاء المدينة العظيمة، وإذا كان كل ذي حياة مما نعرف من الأحياء بحاجة إلى النوم، فمن الذي يدبر أمر الأحياء، وهي نائمة فاقدة شعورها الظاهر...وقد أثبت علماء الأحياء أن استرخاء الجسم في حالة النوم يساعد على تنظيم الدورة الدموية ومدها بالنشاط الجديد، ليساعد ذلك على طرد ما علق في أنحاء الجسم من مواد ضارة كان الأرق أو اليقظة الطويلة السبب في علوقها وترسبها". 

أما الشيخ الشعراوي فيقول حول ظاهرة النوم: "والنوم ردع ذاتي يقهر الكائن الحي، وليس ردعاً اختيارياً؛ لذلك تلاحظ أنك إنْ أردت أنْ تنام في غير وقت النوم تتعب وترهق، أما إن أتاك النوم فتسكن وتهدأ، ومن هنا قالوا: النوم ضيف ثقيل، إن طلبته أَعْنَتكَ، وإنْ طلبك أراحك. لذلك ساعة يطلبك النوم تنام مِلء جفونك، ولو على الحصى يغلبك النوم فتنام، وكأن النوم يقول لك: اهمد واسترح، فلم تَعُدْ صالحاً للحركة، أما من غالب هذه الطبيعة، فأخذ مثلاً حبوباً تساعده على السهر، فإن سهر ليلة نام بعدها ليلتين، كما أن الذي يغالب النوم تأتي حركته مضطربة غير متوازنة". 

وهذا البيان يدلنا على أمور كثيرة منها: 

- أن النوم آيات من آيات الله التي أقام عليها الكون. 

- أن النوم ضروري للإنسان. 

- حصول الضرر لمن يخالف الفطرة التي جبل الله الخلق عليها من التمتع بالنوم. 

- أن عدم النوم بالمقدار الذي يحتاجه الإنسان منه قد يفضي به إلى الهلاك. 

إلى غير ذلك من المعارف حول هذه الظاهرة مما كان الإنسان في عصر تنزل القرآن الكريم على جهل تام بها؛ وما ذلك إلا لكونها مصنفة وإلى زمن قريب مع الأسرار الكونية، التي لا يحيط بها علماً إلا الله جل وعلا. 

وعلى الرغم من اختلاف وجهات نظر علماء الحياة، الذين حاولوا تفسير ظاهرة النوم وبيان حقيقتها، فإن ثمة نقاط وفاق يلتقي عليها الفرقاء في هذا المضمار، وهي وفق التالي: 

* النوم حالة طبيعية متكررة، يتوقف فيها الكائن الحي عن اليقظة، وتصبح حواسه معزولة نسبياً عما يحيط به من أحداث. وكل الحيوانات على اختلاف أنواعها تنام، ويحدث عندها في تخطيط دماغها تغييرات مماثلة لما يحدث عند الإنسان. 

* يحصل لمختلف أجهزة الجسم لدى النوم راحة واستجمام، ومعاودة النشاط للعمل؛ ولذلك فكلما كانت مدة النوم كافية ازدادت إمكانية الجسم للنشاط والعطاء بعده. 

* تتناسب حاجة الإنسان للنوم طرداً مع مقدار ما يصيبه من تعب. 

* حرمان الإنسان من النوم مضر جداً؛ وفي حال ديمومة الحرمان من النوم، فإن الإنسان يصيبه الهلاك. 

* النوم من أقوى الأسباب المعينة على تخليص الدماغ من الارتباك والإرهاق والإجهاد؛ بل ومدعاة لعافيته من بعض الظواهر المرضية التي تعتريه من التوتر والكسل والارتباك والتشتت والذهان. 

* النوم له عدة أنواع منها الحالم (المتناقض) والتقليدي (الهادئ). 

* يتغير معدل إفراز الهرمونات من الغدد الصم أثناء النوم. 

وحول أهمية النوم يلفت الدكتور الكسيس كاريل النظر إلى ضرورة تنظيم النوم، فيقول في كتابه "الإنسان ذلك المجهول": "ينام الإنسان العصري إما أكثر، وإما أقل مما يجب، وهو لا ينسق نفسه بسهولة بالنسبة للنوم الكثير، ولكنه يدفع ثمناً غالياً إذا نام وقتاً قصيراً في فترة طويلة". 

ويتحدث حول فوائد النوم، ويعدد منها ما يلي: 

* سكون الجوارح وراحتها مما يعرض لها من تعب. حيث تستريح الحواس من نصب اليقظة، ويزول عنها الإعياء. 

* يعين الجسم على الهضم. 

* يخلص الجسم من السموم المتراكمة، كما يعيد الحيوية والنشاط إلى جميع أجزاء الجسم. 

* يساعد في بناء أنسجة الجسم التالفة. 

* يعتبر علاجاً للقلق والتوتر والاضطرابات العصبية. 

* يعين على راحة أجهزة وأعضاء الجسم مثل القلب. 

* يزداد أثناء النوم إفراز بعض الهرمونات مثل هرمون النمو (GH). 

وقد اكتشف العلماء أن النوم الجيد -وخصوصاً في الليل- يساعد على جوانب معينة من الذاكرة، وتحديداً تنشيط استذكار ما حدث في الماضي، واستذكار التصورات. 

وفي دراسة علمية قام بها باحثون من جامعة شياغو في الولايات المتحدة أثبتت أن الأرق المزمن يقلل قدرة البالغين على تأدية الوظائف الحيوية الأساسية مثل تخزين النشويات، وعمليات الدماغ، بل يؤثر على نظام إفراز الهرمونات. فقد تركوا المتطوعين ليناموا ثماني ساعات عدة أيام، ثم أربع ساعات عدة أيام أخر، فأدى ذلك إلى قلة تحمل الجلوكوز في الدم، واضطرابات في وظائف الغدد الصماء، التي تؤدي إلى أعراض مشابهة لأمراض الشيخوخة، أو المراحل لمرض السكر، فلقد قلت قدرة هؤلاء على إفراز الأنسولين بنسبة (30%)، وأخذوا (40%) وقتاً أطول لتنظيم معدل السكر في الدم بعد وجبة دسمة من النشويات، كما لوحظ عليهم حالات توتر وتعكر مزاجي. وهذه علامة أخرى من علامات الشيخوخة، وهذا يوضح ما يقوله العلماء، من أن الأرق له علاقة بأعراض تقدم السن، مثل السكر، واضطرابات ضغط الدم، التي تؤدي إلى الأزمات القلبية من الهرمونات الأساسية التي تتأثر بالنوم غير الصحي هرمون الكورتيزول (Cortisol) ويُعرف بهرمون الضغط العصبي، حيث من المفترض في الصورة الطبيعية أن يقل معدل هذا الهرمون حين الاستعداد للنوم، ويزداد عند الاستيقاظ ليساعد على النشاط والحركة، ولكن في النوم غير الصحي يرتفع الكورتيزول في الليلة التالية، وتفرز الغدة الكظرية هذا الهرمون بسهولة عند التعرض لأي ضغط أثناء النهار، وزيادة هرمون الكورتيزول لوقت طويل يمكن أن يؤدي إلى تحطم الخلايا الدماغية، وضمور في مناطق الدماغ الخاصة بالتعلم والذاكرة، كما أثبتت ذلك بعدُ الأبحاث التي أجريت على الحيوانات، كما يؤثر الأرق على هرمونات بناء العضلات وهرمون النمو، ويقلل الأجهزة المناعية للجسم.

وعلى ضوء ما تقدم يتبين أن النوم حاجة ضرورية للإنسان، وأن حرمانه منه مدعاة لهلاكه، وأن هذه الحقيقة لدى التأمل تتطابق تماماً مع ما ورد ضمن دلالات النصوص القرآنية، الواردة بصدد النوم، وهذا التطابق التام بين ما دلت عليه النصوص الواردة في هذا الشأن مع ما توصل إليه أولئك العلماء من حقائق ثابتة ومستقرة، يدل بكل جلاء على أن القرآن الكريم -الذي وردت فيه تلك النصوص- هو كلام الله عز وجل، وأن الذي بلغنا هذا القرآن الكريم هو رسول من عند الله حقاً. 

* مادة هذه المقال مستفادة ببعض التصرف من مقال بعنوان: النوم آية من آيات الله، لكاتبه: عبد الحفيظ الحداد، على موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة الشريفة
 مقالات إسلام ويب
اقرأ المزيد ...

والجبال أوتادا


ورد ذكر لفظ (الجبال) بصيغة الجمع في القرآن الكريم ثلاثاً وثلاثين مرة، وورد بصيغة المفرد ست مرات، ما يعني أهمية الجبال في حياة الكون والإنسان، وأنها آية من آيات الله المبثوثة في هذا الكون، والدالة على عظمته وقدرته سبحانه وتعالى. 

وقد ذكر القرآن الكريم وأشار في عدد من آيته إلى ظاهرة الجبال شكلاً ووظيفة، والتي لم يستطع الإنسان أن يصل إليها كحقيقة معروفة إلا بعد التقدم والتطور العلمي والتقني الهائل الذي حصل في القرنين الأخيرين من عمر البشرية.

لقد عرف الإنسان الجبال منذ القدم، وتعامل معها، وعاش في أكنافها، واستفاد منها، ومن مكوناتها المستفادة المباشرة التي عرفها من خلال شكلها الظاهري؛ فقد عُرِّف الجبل بأنه: كل ما ارتفع عن سطح الأرض واستطال وتجاوز التل ارتفاعاً. فهل يفي هذا التعريف (الجبل) حقه الآن؟

إجابة على هذا التساؤل سنجول في صفحات (تاريخ الجبال) على مدى القرون الثلاثة الأخيرة، والتي تميزت بالكثير من الكشوف العلمية الهامة في شتى المجالات الكونية.

لقد فُتن الإنسان بالجبال شكلاً، وجُذب إليها؛ لما فيها من منافع واكتفى بمعرفتها ظاهريًّا إلى بداية القرن الثامن عشر عندما تنبه (بير بوجر) والذي كان يرأس بعثة إلى جبال (الأنديز) إلى أن قوة الجذب المقاسة في هذه المنطقة لا تتناسب مع كتلة هذه الجبال الهائلة، وإنما هي أقل بكثير مما هو متوقع، معتمداً على الانحراف في اتجاه القمم البركانية في تلك المنطقة، والملاحظ على قياس الجذب التقليدي الذي كان متوفراً لديه، والمسمى بميزان البناء (Plumb Bab) ونتيجة لهذه الملاحظة الأولية، افترض (بوجر) ضرورة وجود كتلة صخرية هائلة غير مرئية، ليس لها مكان إلا أسفل تلك الجبال البارزة.

ولقد حفلت بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بالكثير من أعمال المسح الجيولوجي، التي قامت بها بعثات جيولوجية بريطانية في شبه الجزيرة الهندية، وفسرت من خلالها الكثير من الظواهر. غير أن ظاهرة الشذوذ في قراءات الجاذبية قريباً من جبال الهيمالايا، والتي اشتهرت باسم لغز الهند، لم تفسر تفسيراً منطقيًّا إلا في منتصف ذلك القرن من خلال أعمال المسح، التي كان يتولى الإشراف عليها (جورج أفرست) والتي كانت تشير بوضوح إلى أنه لا يمكن تفسير هذا الشذوذ إلا بافتراض وجود امتدادات لهذه الجبال الهائلة منغرسة في جوف القشرة الأرضية إلى مسافات عميقة، وأن هذه الامتدادات إما أن تكون من نفس مادة الجبال البارزة، أو أكثر كثافة منها.



بهذه الفرضية أمكن حل مشكلة الفارق الملاحظ في قياس المسافة بين محطة (كإلىانا) الواقعة في أحضان جبال الهيمالايا، و(كإلىان بور) البعيدة نسبياً عن جبال الهيمالايا، والواقعة في المنطقة المنبسطة، والذي قدر بحوالي (153) مترا، هذا الفرق كان قد لوحظ عندما قيست المسافة بطريقتي قياس مختلفتين: الأولى تعتمد علي حساب المثلثات، وتسمى بطريقة المسح الثلثي (Triangulation Technique) والثانية تعتمد على موقع النجم القطبي، وتسمي بطريقة المسح الفلكي (Astronoical Technique) وقد عزى جون هاري برات ( John Henry Pratt) هذا الفارق إلى تأثر الطريقة الثانية المستخدمة في القياس بقوة جذب كتلة غير منظورة، لم يتم إدخالها في المعادلات المستخدمة لإنجاز الحسابات النهائية للقياسات. وبعبارة أخرى كان يشير إلى وجود جذور (Roots) لجبال الهيمالايا ممتدة أسفل منها، وهي التي أثرت على القياسات، وأظهرت الفارق سالف الذكر. 

في عام (1865م) تقدم جورج أيري (George Airy) بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسبا للجبال التي تعلوها، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزراً طافية على بحر من صخور أعلى كثافة. وعليه، فلا بد للجبال لضمان ثباتها واستقرارها على هذه المادة الأكثر كثافة، أن تكون لها جذور ممتدة من داخل تلك المنطقة العالية الكثافة.

إن التفسير العلمي لنظرية جورج أيري أتى من خلال النموذج الذي قدمه الجيولوجي الأمريكي دتون في عام (1989م) (Theory of Isostasy) شارحاً به نظريته المسماة بـ (نظرية الاتزان) والمتمثل في مجموعه من حوض مملوء بالماء، شكل المجسمات الخشبية المختلفة الارتفاعات طافية فيه، وقد تبين من هذا النموذج أن الجزء المغمور في الماء من المجسمات الخشبية يتناسب طرداً مع ارتفاعه، ذاكراً أنها في حالة أسماها بحالة الاتزان الهيدروستاني (State of Hydrostatic Balance) أما التمثيل الطبيعي والتقليدي لهذه الحالة فهي في الواقع حالة جبال الجليد العائمة (Iceebergs).



ثم تطورت العلوم وتوالت الكشوف، وانتقلت قضية جذور الجبال من مرحلة النظرية إلى الحقيقة والواقع الملموس، ثم تقدمت الأبحاث والمعارف بتركيب الأرض الداخلي عن طريق القياسات (السايزمية تحت السطحية) والتي كشفت أن القشرة الأرضية الصلبة التي نحيا عليها لا تمثل إلا طبقة رقيقة جداً قياساً بما تحتها من طبقات وتراكيب أخرى، وأن هذه الطبقة في الواقع تطلق على طبقة أعلى كثافة منها، ولكنها في حالة مانعة تكسا بالوشاح، ثم عرفنا حقيقة أخرى، تتمثل في أن استقرار واتزان القشرة الأرضية بما تحمله من جبال وتلال ووديان، لا يتم على طبقة الوشاح إلا من خلال امتدادات من مادة القشرة داخل نطاق الوشاح، وأن هذه الامتدادات لا يمكن أن تُمَثَّل عمليًّا إلا بوتر الأوتاد في تثبيت الخيمة على سطح الأرض لضمان ثباتها وعدم اضطرابها.

ثم وصلت الأبحاث إلى مرحلة من المعرفة أمكن من خلالها رسم العديد من الخرائط تحت السطحية في أجزاء عديدة من الكرة الأرضية، كما أمكن من خلالها إثبات أن الجذور التحت سطحية تتناسب طرداً مع ما يعلوها من تراكيب؛ فهي ضحلة في حالة المنخفضات، وعميقة جداً في حالة الجبال المرتفعة. ليس هذا فحسب، بل أمكن أن نقيس أطوال هذه الجذور، وتوقع تركيبها وخواصها الطبيعية والكيميائية.

هذا ما قاله العلم فماذا قال القرآن؟

أليىست هذه الحقائق التي ثبتت الآن بيقين، هي ما أشار إليه كتاب الله الكريم بإيجازه المعجز، عندما قال جل من قائل: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (النحل:15) مشيراً إلى ما خفي على الإنسان من دور ووظيفة الجبال في ثبات واستقرار الأرض التي يعيش عليها هذا الإنسان، وفي قوله تعالى: {والجبال أوتادا} (النبأ:7) مشيراً إلى الشكل الحقيقي للجبل وجذره الخفي الممتد أسفل منه. كل ذلك في كلمتين سهلتين واضحتين. ولقد أدرك العلماء المسلمون الأوائل هذه الحقائق من كتاب ربهم عندما تعرضوا لتفسير هذه الآيات الكريمة.

مقارنة بين ما ذكره القرآن وما ذكرته الموسوعة البريطانية



عرَّفت الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) ذائعة الصيت (الجبال) حيث قالت: "إن الجبل هو منطقة من الأرض مرتفعة نسبياً عما حولها". ثم تحدثت الموسوعة عن سلاسل الجبال وأنواعها المختلفة. وهكذا نجد أن الموسوعة قد اقتصرت في تعريفها للجبال على الشكل الخارجي فحسب.

والقرآن الكريم كان قد لفت انتباه الإنسان إلى (ظاهرة الجبال) كونها آية من آياته الكونية عندما قال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت} (الغاشية:17-19)، كما أن القرآن الكريم كان قد وجه الإنسان إلى تلك الحقيقة من خلال الآية الكريمة: {والجبال أوتادا} (النبأ:7) ومعرفة أسرار هذه الحقيقة ما كان متيسراً في القرون التي سبقت قرون الكشوف العلمية، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم أيضاً في قوله تعالى: {لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون} (الأنعام:67) إلا أن ذلك لم يمنع العالم المسلم من أن يسبق عصره في فهمه لبعض الظواهر والسنن الكونية -على الأقل في صورتها الجمالية- فكيف به لو استفاد مما هو متوفر له الآن، أو يتوفر في المستقبل من إمكانات علمية ومفاتيح معرفية.

وسيكون العلم في عصرنا والعصور التالية برهاناً ساطعاً على صدق الوحي. وسيشهد العلماء قبل غيرهم بهذا، قال تعالى: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} (سبأ:6) وستتجلى آيات الله في الآفاق والأنفس حتى يتبين للناس أن الذي أنزل على محمد هو الحق.

* مادة المقال مستفادة من موقع 

الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
 مقالات إسلام ويب
اقرأ المزيد ...

والبحر المسجور


صدر سورة الطور أقسم سبحانه بجملة من آياته الكونية تأكيداً على وقوع عذابه بالكافرين، ووعده بالجنات للمتقين، ومن جملة ما أقسم به سبحانه قوله عز وجل: {والبحر المسجور} (الطور:6)، فما المراد بـ (البحر المسجور) وما وجه الإعجاز في هذه الآية؟

‏(‏البحر‏) في اللغة ضد البر‏، وقيل: إنما سمي بهذا الاسم لعمقه واتساعه‏، والجمع‏ (أبحر‏)‏ و‏(‏بحار‏)‏ و‏(‏بحور‏)‏ وكل نهر عظيم يسمى بحراً؛‏ لأن أصل (البحر) هو كل مكان واسع جامع للماء الكثير‏،‏ وإن كانت لفظة‏ (البحر‏)‏ تطلق في الأصل على الماء المالح دون العذب‏،‏ كذلك سمت العرب كل متوسع في شيء ‏(بحراً‏)‏ حتى قالوا‏:‏ للمتوسع في علمه‏ (‏بحراً)، وللتوسع في العلم ‏(‏تبحر‏)،‏ وقالوا‏:‏ فرس ‏(بحر‏)‏ أي: واسع الخطى،‏ سريع الجري‏

أما وصف البحر بصفة‏ (المسجور‏)‏ فالصفة مستمدة من الفعل ‏(سَجَرَ‏)‏ و‏(‏السَّجْر‏) تهييج النار‏، يقال: ‏(سَجَر‏)‏ التنور، أي: أوقد عليه حتى أحماه‏، و‏(‏السَّجُور‏) هو ما يُسْجَرُ به التنور من أنواع الوقود‏،‏ كما يقال: ‏(سجر‏)‏ الماء النهر، أي: ملأه‏،‏ ومنه ‏(‏البحر المسجور‏)‏ أي: المملوء بالماء‏،‏ المكفوف عن اليابسة 




أما أقوال أهل التفسير في المراد بـ (البحر المسجور) فقد نقل ابن كثير عن الربيع بن أنسأنه‏:‏ هو الماء الذي تحت العرش، الذي يُنزل الله منه المطر، الذي تحيا به الأجساد في قبورها يوم معادها‏،‏ أي أنه بحر من ماء خاص محبوس عند رب العالمين‏،‏ ينزله ‏سبحانه يوم البعث، فينبت كل مخلوق بواسطة هذا الماء من عجب ذنبه، كما تنبت البقلة من حبتها على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ أما جمهور المفسرين فذهبوا إلى أن المراد بـ (البحر المسجور) هو هذا البحر‏،‏بيد أنهم اختلفوا في معنى {المسجور} فقال بعضهم: المراد أنه يوقد يوم القيامة ناراً، كقوله تعالى: {وإذا البحار سجرت} (التكوير:6) أي: أوقدت وأضرمت، فتصير ناراً تتأجج محيطة بأهل الموقف، كما روي عن علي وابن عباس‏ رضي الله عنهما.‏ وقال بعضهم‏:‏ إنما سمي (البحر المسجور) لأنه لا يُشرب منه ماء‏،‏ ولا يُسقى به زرع،‏ وكذلك البحار يوم القيامة‏.

وروي عن سعيد بن جبير‏: {والبحر المسجور} يعني المرسل‏. وقال قتادة‏:‏ {المسجور} المملوء بالماء،‏ واختاره الطبري. وقيل‏: المراد بـ {المسجور} الممنوع المكفوف عن الأرض؛ لئلا يغمرها، فيغرق أهلها‏، قاله ابن عباس، وعليه يدل الحديث الذي رواه الإمام أحمد عنعمر بن الخطاب‏‏ رضي الله عنه عن رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم‏، قال‏: (ليس من ليلة إلا والبحر يُشرف فيها ثلاث مرات، يستأذن الله أن ينفضخ عليهم، فيكفه الله عز وجل‏) قال محققو "المسند": إسناده ضعيف. (قوله: ينفضخ، أي: ينفتح ويسيل).

والمتحصل من أقوال المفسرين، أن المراد بـ (البحر المسجور) البحر الموقد ناراً يوم القيامة، أو البحر المملوء بالماء. 

ماذا يقول العلم الحديث؟من المعاني اللغوية والأقوال التفسيرية لـ (البحر المسجور) هو المملوء بالماء، والمكفوف عن اليابسة‏، وهو معنى صحيح من الناحية العلمية صحة كاملة، كما أثبتته الدراسات العلمية في القرن العشرين‏. ومن المعاني اللغوية والأقوال التفسيرية لهذا القَسَم القرآني أيضاً، أن (البحر المسجور) هو الذي قد أوقد عليه حتى حميَ قاعه، فأصبح مسجوراً، وهذا أيضاً من الحقائق العلمية، التي أكدتها الأبحاث العلمية في العقود المتأخرة من القرن العشرين، والتي لم يكن لبشر إلمام بها قبل ذلك أبداً، وهذا ما نفصله بعض الشيء تالياً: 

أولاً‏(‏البحر المسجور‏) بمعنى المملوء بالماء، والمكفوف عن اليابسةالأرض هي أغنى كواكب المجموعة الشمسية بالماء، الذي تقدر كميته بحوالي ‏(1360)‏ إلى (‏1385)‏ مليون مليون كيلو متر مكعب‏،‏ وهذا الماء قد أخرجه ربنا سبحانه كله من داخل الأرض على هيئة بخار ماء، اندفع من فوهات البراكين‏،‏ وعبر صدوع الأرض العميقة، ليصادف الطبقات العليا الباردة من نطاق التغيرات الجوية، والذي يمتد من سطح البحر إلى ارتفاع حوالي ستة عشر كيلو متراً فوق خط الاستواء‏، وحوالي العشرة كيلو مترات فوق قطبي الأرض‏، وتنخفض درجة الحرارة في هذا النطاق باستمرار مع الارتفاع، حتى تصل إلي ستين درجة مئوية تحت الصفر في قمته‏.‏ وهذا النطاق يحوي حوالي ثلثي كتلة الغلاف الغازي للأرض‏ (66%)‏ والمقدرة بأكثر قليلاً من خمسة آلاف مليون مليون طن‏، وهو النطاق الذي يتكثف فيه بخار الماء الصاعد من الأرض‏، والذي تتكون فيه السحب‏، وينزل منه كل من المطر‏،‏ والبَرَد‏،‏ والثلج‏،‏ وتتم فيه ظواهر الرعد والبرق، وتتكون العواصف والدوامات الهوائية، وغير ذلك من الظواهر الجوية‏،‏ ولولا تبرد هذا النطاق مع الارتفاع، ما عاد إلينا بخار الماء الصاعد من الأرض أبداً،‏ وحينما عاد إلينا بخار الماء مطراً،‏ وثلجاً، وبرداً، انحدر على سطح الأرض، ليشق له عدداً من المجاري المائية‏،‏ ثم فاض إلى منخفضات الأرض الواسعة، ليكون البحار والمحيطات‏،‏ وبتكرار عملية البخر من أسطح تلك البحار والمحيطات، ومن أسطح اليابسة بما عليها من مختلف صور التجمعات المائية والكائنات الحية‏،‏ بدأت دورة المياه حول الأرض‏ من أجل التنقية المستمرة‏ لهذا الماء، وتلطيف الجو‏، وتفتيت الصخور‏، وتسوية سطح الأرض‏،‏ وتكوين التربة،‏ وتركيز عدد من الثروات المعدنية‏، وغير ذلك من المهام التي أوكلها الخالق لتلك الدورة المعجزة.

هذه الدورة المحكمة للمياه حول الأرض أدت إلى خزن أغلب ماء الأرض في بحارها ومحيطاتها، حوالي‏ (97,2%)،‏ وإبقاء أقله على اليابسة‏ حوالي (‏2,8%)، وبهذه الدورة للماء حول الأرض تملح ماء البحار والمحيطات‏، وتبقى نسبة ضئيلة على هيئة ماء عذب على اليابسة‏،‏ وحتى هذه النسبة الضئيلة من ماء الأرض العذب قد حبس أغلبها على هيئة سمك هائل من الجليد فوق قطبي الأرض‏، وفي قمم الجبال‏،‏ والباقي مختزن في الطبقات المسامية والمنفذة من صخور القشرة الأرضية على هيئة ماء تحت سطحي، وفي بحيرات الماء العذب، وعلى هيئة رطوبة في تربة الأرض، ورطوبة في الغلاف الغازي للأرض، وما يجري في الأنهار والجداول. 

وتوزيع ماء الأرض بنسب محددة، اقتضتها حكمة الله الخالق، قد تم بدقة بالغة بين البيئات المختلفة بالقدر الكافي لمتطلبات الحياة في كل بيئة من تلك البيئات‏، وبالأقدار الموزونة، التي لو اختلت قليلاً بزيادة أو نقص، لغمرت الأرض، وغطت سطحها بالكامل، أو انحسرت تاركة مساحات هائلة من اليابسة، ولقصرت دون متطلبات الحياة عليها‏. 

ويذكر العلماء أن الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض، وفي قمم الجبال المرتفعة فوق سطحها، إذا انصهر ‏-وهذا لا يحتاج إلا إلى مجرد الارتفاع في درجة حرارة صيف تلك المناطق بحوالي خمس درجات مئوية‏- فإن كم الماء الناتج، سوف يؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار، والمحيطات إلى أكثر من مائة متر، فيغرق أغلب المناطق الآهلة بالسكان، والممتدة حول شواطئ تلك البحار والمحيطات‏.‏ وليس هذا من قبيل الخيال العلمي‏؛ فقد مرت بالأرض فترات كانت مياه البحار فيها أكثر غمراً لليابسة من حدود شواطئها الحالية‏،‏ كما مرت فترات أخرى كان منسوب الماء في البحار والمحيطات أكثر انخفاضاً من منسوبها الحالي، ما أدى إلى انحسار مساحة البحار والمحيطات وزيادة مساحة اليابسة‏،‏ والضابط في الحالين كان كم الجليد المتجمع فوق اليابسة‏،‏ فكلما زاد كم الجليد انخفض منسوب الماء في البحار والمحيطات، فانحسرت عن اليابسة، التي تزيد مساحتها زيادة ملحوظة،‏ وكلما قلَّ كم الجليد ارتفع منسوب المياه في البحار والمحيطات، وطغت على اليابسة، التي تتضاءل مساحتها تضاءلاً ملحوظاً‏. 

من هنا كان تفسير قوله تعالى: {والبحر المسجور}‏ بأن الله تعالى يمن على عباده بأنه ملأ منخفضات الأرض بماء البحار والمحيطات،‏ وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان على اليابسة منذ خلق الإنسان،‏ وذلك بحبس كميات من هذا الماء في هيئات متعددة، أهمها ذلك السمك الهائل من الجليد المتجمع فوق قطبي الأرض، وعلى قمم الجبال،‏ والذي يصل إلى أربعة كيلو مترات في قطب الأرض الجنوبي‏،‏ وإلى ثلاثة آلاف وثمانمائة من الأمتار في القطب الشمالي،‏ ولولا ذلك لغطى ماء الأرض أغلب سطحها،‏ ولما بقيت مساحة كافية من اليابسة للحياة بمختلف أشكالها الإنسانية‏،‏ والحيوانية‏،‏ والنباتية‏،‏ وهي إحدى آيات الله البالغة في الأرض‏،‏ وفي تهيئتها لكي تكون صالحة للعمران‏. 

ومن ثَمَّ كان تفسير قوله سبحانه: {والبحر المسجور} بمعنى المملوء بالماء، المكفوف عن اليابسة، ينطبق مع عدد من الحقائق العلمية الثابتة، التي تشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏، وتشهد لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم‏ بالنبوة وبالرسالة‏. 

ثانياً‏(البحر المسجور‏) بمعنى البحر المتوقدفي العقود المتأخرة من القرن العشرين تم اكتشاف حقيقة تمزق الغلاف الصخري للأرض بشبكة هائلة من الصدوع العملاقة المزدوجة، والتي تكون فيما بينها ما يُعرف باسم (أودية الخسف) أو الأغوار، وأن هذه الأغوار العميقة تحيط بالأرض إحاطة كاملة‏،‏ وتمتد هذه الأغوار في كافة الاتجاهات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات‏،‏ ولكنها تنتشر أكثر ما تنتشر في قيعان محيطات الأرض‏،‏ وفي قيعان عدد من بحارها‏،‏ ويتراوح عمق الصدوع المشكِّلة لتلك الأغوار بين (‏65)‏ كيلو متراً،‏ و(70)‏ كيلو متراً تحت قيعان البحار والمحيطات‏، وبين (‏100)‏ و(‏150)‏ كيلو متراً على اليابسة، وتعمل على تمزيق الغلاف الصخري للأرض بالكامل‏، وتقطيعه إلى عدد من الألواح الصخرية، التي تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهرة، يسميه العلماء باسم نطاق الضعف الأرضي‏، وهو نطاق تتحرك بداخله تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى، حيث تتبرد وتعاود النزول إلى أسفل‏، وهي بتلك الحركة الدائبة والدائمة، تدفع بكل لوح من ألواح الغلاف الصخري للأرض إلى التباعد عن اللوح المجاور في أحد جوانبه،‏ ومصطدماً في الجانب المقابل باللوح الصخري المجاور، ليكون سلسلة من السلاسل الجبلية‏، ومنزلقاً عن الألواح المجاورة في الجانبين الآخرين‏.‏

وباستمرار تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض، تتسع قيعان البحار والمحيطات باستمرار عند خطوط التباعد بينها‏،‏ وتندفع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية لتساعد على دفع جانبي المحيط يمنة ويسرة،‏ وتملأ المسافات الناتجة بالصهارة الصخرية المندفعة من باطن الأرض على هيئة ثورات بركانية عارمة‏ تحت الماء‏، تسجر قيعان جميع محيطات الأرض‏،‏ وقيعان أعداد من بحارها‏، وتجدد مادتها الصخرية باستمرار‏.‏ وقد أدى هذا النشاط البركاني فوق قيعان كل المحيطات،‏ وفوق قيعان عدد من البحار النشطة إلى تكون سلاسل من الجبال في أواسط المحيطات، تتكون في غالبيتها من الصخور البركانية‏،‏ وقد ترتفع قممها في بعض الأماكن على هيئة أعداد من الجزر البركانية من مثل جزر كل من إندونيسيا‏،‏ ماليزيا‏،‏ الفلبين‏،‏ اليابان، وغيرها.‏ وفي المقابل تصطدم ألواح الغلاف الصخري عند حدودها المقابلة لمناطق اتساع قيعان البحار والمحيطات، ويؤدي هذا التصادم إلى اندفاع قيعان المحيطات تحت كتل القارات وانصهارها بالتدريج، ما يؤدي إلى تكون جيوب عميقة عند التقاء قاع المحيط بالكتلة القارية، تتجمع فيها كميات هائلة من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة، التي تطوى وتتكسر لترتفع على هيئة السلاسل الجبلية على حواف القارات، من مثل سلسلة جبال الإنديز في غربي أمريكا الجنوبية،‏ وهنا يستهلك قاع المحيط بالتدريج تحت الكتلة القارية‏،‏ وإذا توقفت عملية توسع قاع المحيط، فإن هذا القاع قد يُستهلك بأكمله تحت القارة، ما يؤدي إلى تصادم قارتين ببعضهما‏،‏ وينشأ عن هذا التصادم أعلى السلاسل الجبلية من مثل جبال الهيمالايا، التي نتجت عن اصطدام الهند بالقارة الأسيوية بعد استهلاك قاع المحيط، الذي كان يفصل بينهما بالكامل في أزمنة أرضية سحيقة‏.‏

ويصاحب كل من عمليتي توسع قاع المحيط في محوره الوسطي، واصطدامه عند أطرافه بعدد من الهزات الأرضية‏، والثورات والطفوح البركانية‏.

ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من أربعة وستين ألفاً من الكيلو مترات‏،‏ بينما يبلغ طول الصدوع العميقة، التي اندفعت منها الطفوح البركانية، لتكون تلك السلاسل الجبلية في أواسط المحيطات أضعاف هذا الرقم‏.‏ وتتكون هذه السلاسل أساساً من الصخور البركانية المختلطة بالقليل من الرسوبيات البحرية، وتحيط كل سلسلة من هذه السلاسل المندفعة من قاع المحيط بواد خسيف، مكون بفعل الصدوع العملاقة التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بعمق يتراوح بين خمسة وستين كيلو متراً وسبعين كيلو متراً، ليخترق الغلاف الصخري للأرض بالكامل، ويصل إلى نطاق الضعف الأرضي، الذي تندفع منه الصهارة الصخرية بملايين الأطنان في درجة حرارة تزيد عن الألف درجة مئوية؛ لتسجر قيعان كل محيطات الأرض‏، وقيعان عدد من بحارها النشطة باستمرار‏،‏ ومع تجدد اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات هذه الصدوع العملاقة، يتسع قاع المحيط باستمرار‏،‏ وتتجدد مادته بدفع الصخور القديمة في اتجاه شاطئ المحيط يمنة ويسرة، ليحل محلها أحزمة أحدث عمراً، تتكون من تجمد تلك الصهارة الجديدة‏، وتترتب بصورة متوازية على جانبي أغوار المحيطات والبحار،‏ ويهبط كل جانب من جانبي قاع المحيط المتسع بنصف معدل اتساعه الكلي تحت كل قارة من القارتين أو القارات المحيطة بشاطئيه‏، وبذلك يمتلئ محور المحيط بالصهارة الصخرية الحديثة المندفعة عبر مستويات الصدوع الممزقة لقاعه فتسجره‏، بينما تندفع الصخور الأقدم بالتدريج في اتجاه الشاطئين، حيث توجد أقدم صخور ذلك القاع‏، والتي تستهلك باستمرار تحت القارات المحيطة‏.‏

وهذه الصدوع العملاقة التي تمزق قيعان كل محيطات الأرض،‏ وقيعان عدد من بحارها، توجد أيضاً على اليابسة -ولكن بنسب أقل منها- فوق قيعان البحار والمحيطات، وتعمل على تكوين عدد من الأغوار، والبحار الطولية، التي تعمل على تفتيت الكتل القارية باتساعها التدريجي، لتتحول تلك البحار الطولية -مثل البحر الأحمر- إلى بحار أكبر، ثم إلى محيطات تفصل بين الكتلة القارية، التي كانت متصلة على هيئة قارة واحدة،‏ وتحاط تلك الخسوف القارية العملاقة بعدد من القمم البركانية السامقة من مثل جبل (أرارات) في شرقي تركيا‏ (5100‏) متر فوق مستوى سطح البحر.


وقد ثبت لكل من علماء الأرض والبحار -بالأدلة المادية الملموسة- أن كل محيطات الأرض ‏(بما في ذلك المحيطان المتجمدان الشمالي والجنوبي‏) وأعداداً من بحارها -من مثل البحر الأحمر‏-‏قيعانها مسجرة بالصهارة الصخرية المندفعة بملايين الأطنان من داخل الأرض عبر شبكة الصدوع العملاقة، التي تمزق الغلاف الصخري للأرض بالكامل، وتصل إلى نطاق الضعف الأرضي، وتتركز هذه الشبكة من الصدوع العملاقة أساساً في قيعان البحار والمحيطات،‏ وأن كم المياه في تلك الأحواض العملاقة -على ضخامته- لا يستطيع أن يطفئ جذوة الصهارة الصخرية المندفعة من داخل الأرض إطفاء كاملاً، وأن هذه الجذوة -على شدة حرارتها‏- لا تستطيع أن تبخر هذا الماء بالكامل،‏ وأن هذا الاتزان الدقيق بين الأضداد من الماء والحرارة العالية، هو من أكثر ظواهر الأرض إبهاراً للعلماء‏،‏ وهي حقيقة لم يتمكن الإنسان من اكتشافها إلا في أواخر الستينات، وأوائل السبعينات من القرن العشرين‏.

ومن الملفت للانتباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لم يركب البحر في حياته الشريفة مرة واحدة، فضلاً عن الغوص إلى أعماقه، قال في حديث شريف أخرجه كل من الأئمة: أبو داود في "سننه‏"، والبيهقي في "سننه الكبرى‏"‏، وابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما‏ ما نصه‏:‏ (لا يركب البحر إلا حاج، أو معتمر، أو غاز في سبيل الله

black;">‏، فإن تحت البحر ناراً،‏ وتحت النار بحراً) وفي رواية‏:‏ (إن تحت البحر ناراً،‏ ثم ماءً،‏ ثم ناراً). ويعجب الإنسان المتبصر لهذا السبق في كل من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بالإشارة إلي حقيقة من حقائق الأرض، التي لم يتوصل الإنسان إلى إدراكها إلا في نهايات القرن العشرين‏، هذا السبق الذي لا يمكن لعاقل أن يتصور له مصدراً غير الخالق الواحد القهار، الذي أنزل هذا القرآن بعلمه‏ على خاتم أنبيائه ورسله‏، وعلَّم هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم‏ صلى الله عليه وسلم‏ من حقائق هذا الكون ما لم يكن لأحد من الخلق إلمام به قبل العقود الثلاثة المتأخرة من القرن العشرين‏؛ لكي تبقى هذه الومضات النورانية في كتاب الله‏، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏ شهادات مادية ملموسة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، الذي حفظه تعالى على مدى أربعة عشر قرناً أو يزيد‏، وإلى قيام الساعة بلغة الوحي‏ نفسها، كلمة كلمة‏، وحرفاً حرفاً في صفائه الرباني‏،‏ واشراقاته النورانية‏، دون أدنى تغيير، أو تبديل، أو تحريف،‏ وأن هذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم كان موصولاً بالوحي‏،‏ ومُعَلَّماً من قبل خالق السماوات والأرض‏.‏ فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة من السنين هذا القَسَم القرآني {والبحر المسجور}‏ وسبحان الذي علم خاتم أنبيائه ورسله بهذه الحقيقة، فقال قولته الصادقة: (إن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً)‏. 

* مادة هذا المقال مستفادة من موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن السنة بتصرف.

اقرأ المزيد ...
جميع الحقوق محفوظة لـلغة الحياة
تعريب وتطوير ( كن مدون ) Designed By